العفو والتسامح: قيمة إسلامية نبيلة ودروس من القرآن والسنة النبوية
العفو والتسامح من أسمى القيم الإنسانية التي حثّ عليها الإسلام، وهي جزءٌ مهم من بناء مجتمع قوي ومتماسك. تعني صفة العفو أن يسامح الإنسان غيره على ما صدر منهم من إساءة، بينما يشمل التسامح عدم الرد بالمثل وإظهار اللين والرحمة. يعتبر العفو من الصفات التي تقرب الإنسان من الله وتزيد من مكانته في الدنيا والآخرة.
العفو والتسامح في القرآن الكريم
لقد جاء ذكر العفو والتسامح في القرآن الكريم في عدة آيات، مما يوضح أهميتهما وضرورة التحلي بهما. من هذه الآيات:
- قوله تعالى: “فمن عفا وأصلح فأجره على الله” (الشورى: 40)، إذ يشير الله إلى أن من يسامح غيره ويصلح بين الناس سيُجازى جزاءً حسنًا.
- وقوله تعالى: “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” (الأعراف: 199)، يأمر الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأخذ العفو والابتعاد عن الجهلاء، ليكون قدوةً في الرحمة واللين.
العفو والتسامح في السنة النبوية
وردت في السنة النبوية عدة أحاديث تدعو إلى العفو والتسامح وتحث المؤمنين على التحلي بهما، ومن هذه الأحاديث:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هيّن لين سهل”، ويعني بذلك الإنسان المتسامح والعطوف.
- قال صلى الله عليه وسلم: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”، وهو دعوة إلى التسامح وعدم الانتقام عند الغضب.
مواقف من حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في العفو والتسامح
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوةً في التسامح والعفو عن الآخرين حتى في أحلك المواقف، ومن أبرز المواقف التي تجسّد هذا الخُلق العظيم:
- موقفه عند فتح مكة: عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا، قال لأهلها الذين آذوه وطردوه: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. كان بإمكانه الانتقام، لكنه اختار العفو ليظهر عظمة الإسلام.
- موقفه مع الأعرابي الذي جذبه بقسوة: جاء أعرابي إلى النبي وجذبه بردائه بشدة، مما ترك أثرًا على عنق النبي، لكنه لم يغضب بل عفا عنه وتحدث معه بلطف.
- موقفه مع من سحره: رغم أن لبيد بن الأعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم، اختار النبي العفو عنه ولم يسعَ للانتقام، وقد كان هذا من أعظم المواقف التي تجسد التسامح.
أهمية العفو والتسامح في الإسلام
العفو والتسامح من القيم التي تُقوي المجتمع وتمنحه استقرارًا وتماسكًا. ومن أبرز فوائد التحلي بهذه القيم:
- تقوية العلاقات: العفو يُزيل الحواجز ويقرب بين الناس.
- تحقيق السلام الداخلي: التسامح يمنح الإنسان راحة نفسية وسكينة.
- التقرب إلى الله: كلما عفا الإنسان عمن ظلمه، زاد أجره عند الله.
- دفع الفتن: التسامح يُجنب المجتمع المشاكل والفتن التي قد تنتج عن الضغائن.
كيفية التحلي بصفة العفو والتسامح
يمكن للمسلم تعزيز صفة العفو والتسامح في نفسه من خلال:
- التفكر في أجر العفو: حين يتذكر المؤمن الأجر العظيم للعفو، يصبح أكثر قدرة على التسامح.
- الإقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم: قراءة سيرة النبي وتفكر مواقفه تزرع التسامح في القلوب.
- الدعاء والتضرع: طلب العون من الله ليساعد الإنسان على التحلي بهذه الصفات الحميدة.
- التدريب على التحكم في الغضب: التعوّد على ضبط النفس وعدم الرد بالمثل.
